اقتصـاد القهوة متـقلب المزاج.. 5 عوامل تهدد انتاج البن العالمي

أثناء تناول فنجال من القهوة السعودية أو غيرها من أنواع القهوة، قد تعتقد أن هذا المشروب المنعش يتم انتاجه بسلاسة، وأنه يدر كم هائل من الأرباح على منتجيه بكل سهولة، لكن الأمر معقدُ بعض الشيئ.

يبرز “القهوة السعودية” في هذا المقال، أكبر 5 عوامل تهدد اقتصاد القهوة حول العالم، وتظهر الوجه الأخر لعذراء الصباح.

صراعات القهوة الدموية

بلمحة سريعة في تاريخ زراعة البن، ستجد جانب قاتم من الحروب والصراعات، التي كان لها من الأثر المدمر ما يمتد حتى يومنا هذا، فهناك أرواح أُزهقت، وأراضٍ دُمرت بسبب الرغبة في السيطرة على مزارع البن.

وبالتعمق أكثر في تاريخ حروب البن، ستكتشف مقتل 130 ألف شخص في كولومبيا، فقدوا حيواتهم فيما يسمى بحرب الألف يوم، التي اشتعلت في أواخر القرن التاسع عشر، بين الحزب الليبرالي وحزب المحافظين، بدافع السيطرة على حصاد البن الكولومبي.

وفي سان دومينيك، دُمرت أغلب أشجار البن بسبب تمرد 500 ألف شخص على العبودية الفرنسية المفروضة على السكان، لزراعة أراضيهم في أواسط القرن الثامن عشر، ومن اللافت أن هذا الصراع بالتحديد كان بمثابة صافرة البداية لتعزيز انتاج البن البرازيلي، ليصبح اليوم الأكثر انتشاراً حول العالم.

ولا تقف مآسي زراعة البن عند هذا الحد، ففي أزمة انهيار الأسعار الأشهر في تاريخ القهوة عام 1999، فقد 540 ألف شخص وظائفهم في أمريكيا الوسطى، بينما أثر سوء التغذية على 45% من أطفال مزارعي البن في السلفادور، وفي غينيا الجديدة لم يستطع 40 % من المزارعين دفع رسوم أولادهم المدرسية، وفي أثيوبيا ازدادت حالات سوء التغذية مع اكتفاء الأسر بوجبة طعام واحدة يومياً.

نكبات التقلبات المناخية:

بعد صقيع مدمر لـمزارع البن في منتصف تسعينات القرن الماضي، ارتفعت أسعار البن في البورصات العالمية بشكل لافت، وألهم هذه الكم الوفير من الأموال، الدول الفقيرة المنتجة للبن، لخوض تجربة التنمية والخروج من براثن الفقر إلى الرفاهية، من خلال خطط اعتمدت على زراعة البن بشكل رئيسي، حتى أصبحت زراعة البن في البرازيل ودول أمريكا الجنوبية والوسطى واجب وطني، وأصبح كل شيء يتمحور حول تلك الزراعة، ووصل الأمر إلى درجة ضبط سنوات الدراسة لتتوافق نهايتها مع موسم الحصاد، حتى يشارك الطلاب في عمليات حصاد البن في المزارع التي امتدت على مرامي الأبصار.

واستمر الانتاج في النمو، وواصلت الدول المنتجة تغذية الأسواق العالمية، بمحاصيل البن الأرابيكا والروبوستا متفاوت الجودة لسنوات، حتى زاد العرض عن الطلب، وبدأت الأسعار في الهبوط، فالانهيار الكامل سنة 1999.

هبطت الأسعار إلى ما دون سعر التكلفة، وهجر على إثر ذلك بعض المزارعين أراضيهم، أو سرحوا العاملين بها، وأضحت أحلام التنمية كسراب لا وجود له، وسجلت بعض هذه الدول وفيات بسبب الجوع، في مناطق إنتاج القهوة بموجب تلك الأزمة.

إن مبدأً اقتصادياً بسيط يدعى الموازنة بين العرض والطلب، غاب عن أعين الدول المنتجة في ظل سعيهم اللاهث للثراء السريع، الأمر الذي أدى إلى غرق بلادهم في مزيدٍ من الفقر والضغوط الاقتصادية.

على كل حال، تراءى للاقتصاديين في تلك الحقبة، أنه لا خروج من الأزمة إلى بتقليل انتاج البن منخفض الجودة، وتنظيم كم الانتاج بين الدول المنتجة.

ويعتقد البعض أن نكبة البن بين 1999-2003 هي الأشرس على الإطلاق خلال القرنين الماضيين.

لكن يبقى السؤال هنا، لماذا لم تستطع هذه الدول استقراء الأزمة، والحول دون حدوثها، مع أن مؤشر الانهيار كان يلوح في الأفق مع الهبوط التدريجي للأسعار؛ الإجابة ببساطة، إنها دورة الزراعة طويلة المدى.

دورة الزراعة طويلة المدى

يستغرق انتاج البن من 3 – 5 سنوات، يجتهد المنتجون خلالها في زراعة القهوة، فتغرق الأسواق بالمحاصيل وتنخفض الأسعار، فيحد المنتجون من الإنتاج لتقليل الإمدادات، فترتفع الأسعار، ويغرس المزارعون المزيد من القهوة وتتكرر الدورة.

طوال هذه الفترة الممتدة إلى نصف عقدٍ من الزمان، تكون مزارع القهوة معرضة إلى تقلبات الطقس المفاجئة، أو انتشار الآفات الزراعية أو حتى تقلبات سياسية واقتصادية.

وبالرغم من ذلك، يتخذ المزارع قرار الزراعة اليوم والأوضاع في أفضل حال، وكذلك الأسواق متعطشة لكميات ضخمة من البن، لكن ليس من السهل التنبؤ بالحال بعد 3 أو 5 سنوات.

البن البرازيلي سيد الأسواق العالمية

تعد البرازيل أكثر الدول انتاجاً للبن في العالم، فعلا سبيل المثال، انتجت البرازيل في 2017 ما يقارب الـ 2 مليون طن من القهوة ومشتقاتها، ما يمثل أكثر من 16% من الانتاج العالمي، وبقيمة تتجاوز الـ 5 مليار دولار.

ويتطلب هذا الإنتاج الغزير التخلص من جزء من المحصول، أو تخزينه لسنوات مقبلة، للحول دون انهيار أسعار البن بسبب فائض الإنتاج.

وتشير الإحصائيات إلى أن البرازيل أتلفت إنتاج عامين خلال 10 سنوات، لدعم الأسعار والحفاظ على توازن الإنتاج العالمي.

إن هذا الكم من الانتاج يتحكم بالفعل في تجارة البن على مستوى العالم، فقد كانت البرازيل تستحوذ على ثلثي أسواق القهوة في أواخر القرن التاسع عشر، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الأسعار العالمية بنسبة 40%.

فطر صدأ البن

يعد صدأ البن من أشرس الأمراض التي قد تصيب البن، حيث ظهر كمشكلة تستدعي الاهتمام في 1869 في سيلان، قبل انتشاره منها إلى بقية دول العالم.

ويعتقد المؤرخ الكندي ستيوارت ماك كوك، أن الطقس الرطب بمناطق في سيلان يمثل ظرفا مثالياً لتفشي الفطر فقد قضى على %90 من محاصيل البن هناك، الأمر الذي دفع سيلان لترك زراعة البن، وركزت على زراعة الشاي المشهورة به حالياً.

ويؤكد ماك كوك إن صدأ البن مرض عالمي، يهدد انتاج البن بشكل كامل ولن يكون من الممكن القضاء عليه؛ إلا إذا اقتلعت أشجار البن كافة.

وعلى كل حال، يوجد الأن جهات تنظم عملية إنتاج البن، وتنص تشريعات تهدف إلى الحد من تقلبات اقتصاد القهوة، مثل منظمة البن العالمية. بالإضافة إلى الجهود البحثية التي تصبو إلى تحسين عملية زراعة القهوة وتنحية الآفات والأمراض التي قد تؤدي إلى تلف أشجار البن. إلا أن كل هذا لا يضمن لمزارعي البن الربح الدائم من هذه الزراعة، فالإشكاليات سالفة الذكر، لا تزال تهدد مستقبل انتاج القهوة حول العالم.

Leave a comment